( حُدودُ الإختراق - أنواعٌ وأشكالٌ وآثار - )
--------------------------------------------
فى رحلة الكائن البشرى الطويلة تنوع الاختراق وتعددت محاوره وأشكاله وسماته وكذالك غاياته ، والإختراق ربما أحس به الإنسان ورآه أمامه فى زيه المادى الملموس من خلال علاقاته مع الآخرين ، ولقد عرف الإنسان على مر التاريخ أنواعاً كثيرة من الإختراق ، واستطاع أن يستخدمها بشكلٍ مادىٍ وغير مادىٍ ولغاياتٍ معينة ، وذلك عبر تفاعلاته الداخلية على مستوى الأشخاص او الجماعات او الشعوب وكذلك مع كل مفردات الطبيعة التى حوله من نبات وحيوان وجماد .
وفى رحلة الإختراق الطويلة تلك ، حيث تنوعت أشكاله وتعددت محاوره واختلفت غاياته ومن ثم أساليب استخدامه ، سوف ألقى الضوء على أحدث نوعٍ من أنواع الإختراق ارتبط بالحضارة الحديثة وما وصلت إليه من تطورٍ مذهل فيما يسمى بثورة الاتصالات ،ألا وهو اختراقُ المُنتديات عبر شبكة النت العنكبوتية ، ولكن قبل الدخول إلى تلك المغارة التى يصمم الجميع على أنها إفتراضية - وأرى عكس ذلك تماماً - سوف أذهب و من خلال ثلاثة أجزاء إلى معنى الكلمة واشتقاقها اللغوى ، وبعد الإحاطة بالمعنى وباستخدام الربط والتحليل سوف أعرض لأنواع الإختراق وتعدد أشكاله ومحاوره وغاياته ومن ثم الأساليب التى تم استخدامها لتحقيق تلك الغايات ، وأخيراً مدى تأثير الإختراق فى كل نوعٍ من أنواعه المستخدمة .
ماذا تعنى كلمة " اختراق " ؟
تاتى كلمة " اختراق " من الفعل الثلاثى الصحيح " خَرَقَ " وكما فى كتاب الثلاثى الصحيح من حرف الخاء فى الجزء السابع من " تهذيب اللغة " لأبى منصور محمد ابن أحمد الأزهرى 282 هجرية - 370 هجرية ، فهى تعنى الآتى:
خَرَقْتُ الشئ أى شققته ، وخَرَقْت الأرض إذا قطعتها حتى بلغت أقصاها ، والريح تخترق الأرضَ ، والخيل تخترق والإنسان يخترق ، والسيف يخترق لذا سُمى بالمخراق ، واختراق الشئ هو أن تقطع الطريق إليه بل وتنفذ إلى داخله فهو اختراق وقد تتعداه فقد اخترقته .
هذه مقدمة بسيطة لتوضيح معنى الكلمة - اختراق - فى اللغة العربية كان لابد من الإتيان بها قبل أن أتحدث عن حدود الاختراق كما أراها .
وعلَّنى بعد توضيح معنى الكلمة أن أتكلم عن أنواع الإختراق .
أنواع الإختراق
========
الإختراق فى جوهره إما أن يكون اختراقاً مادياً أو إشعاعياً أو ذهنيا .ً
الإختراق المادى
----------------
هو أوضح أنواع الإختراق ، وهو كما فى تفسير معنى الكلمة ، أن يقطع شئٌ الطريق إلى شئٍ آخر وقد ينفذ إلى داخله وقد يبقى عند هذه الحدود أو قد يتعداه ، تماماً كاختراق السيف للجسد ، وأشكال هذا النوع من الإختراق متعددة ، فالطائرة تخترق الأجواء فى حركتها من مكان إلى مكان آخر ، والأسماك فى حركتها تخترق الماء ، ونحن نخترق الهواء و....و...... الخ.
من هنا وبشكلٍ علمى أرى أن العالم بكل مفرداته الكونية - فى علاقة تلك المفردات بعضها ببعض - هو حالة من الاختراق المادى المُعقدة .
من هنا يبدو اننا فى حالة اختراقٍ عام ، وكأن المادة لاتستطيع إلا أن تقوم بفعل الإختراق وكانها تحاول الهروب من شئٍ لاتعرفه أو الانتماء لشئٍ لاتعرفه أيضاً ، ولكنها طيلة الوقت تحاول أن ترسم شكلاً يبرر رحلتها التى تبدو عبثية للغاية ، ولا مُنقذ - لمن يستطيع الاختيار- سوى الروح وإعمال العقل بوسائل كثيرة كى تمسك المادة بظلالها وانعكاساتها علَّها تدرك الحقيقة .
وعلَّ البعض يندهش حينما أقول أننى أرى أن الإختراق المادى هو الاساس فى عملية الاختراق ولا سواه ، وأن الإختراق الإشعاعى والذهنى مجرد انعكاسات وظلال للإختراق المادىلاسبيل إلى الوصول إليها واستخدامها إلا عن طريقه .
الإختراق الإشعاعى
-------------------
وهو نوع من الإختراق وصل إليه العلم الحديث بعداكتشافه لطبيعة المادة ، وما وصل إليه البرت اينشتاين حول صور المادة واستطاعة المادة أن تنتقل من صورة إلى صورة ، واكتشافه ان الإشعاع له القدرة على اختراق الأشياء ، ينفذ فيها بل ويتعداها .
وهنا نرى أن هذا النوع من الإختراق والذى يبدو لنا غير مرئى ، إلا أنه فى جوهره اختراق مادى ، هنا يتأكد ماذهبت إليه من أن الاختراق الإشعاعى انعكاس وظلال لاختراق مادى .
وهنا واستناداً إلى ماوصل إليه العلم الحديث من أن جسد الإنسان تحيطه هالة من الضوء ، علَّنى أستطيع أن أقول أن الإنسان فى قدرته اختراق الاشياء إشعاعياً ، ومن ثم يستطيع شخصٌ أن يخترق الآخر إشعاعياً ، وهذا الاختراق يقوى بمساعدةالإيحاء والإرادة ، وباستخدام كل الأدوات المادية والتى قد تبدأ من نظرة العين وحتى الفكرة ، وذلك صعوداً نحو الإختراق الذهنى ، ومن هنا يتأكد أيضاً ماذهبت إليه من أن الإختراق الذهنى انعكاس وظلال للإختراق المادى يأتى من خلاله وباستخدامه .
الإختراق الذهنى
----------------
هو أقوى أنواع الإختراق وأبقاها وأكثرها تأثيرا ، أو كما أرى هو أقوى انعكاس وظل كثيف للإختراق المادى بكل تعقيداته ، يعرف الغاية ويرسم الطريق إليها ويمتد ويتغلغل ويبقى ويخرج وقد ترك تأثيره - على العقل والروح - بالتغيير أو بالإحلال أو باء بالفشل .
وفى هذا النوع من الإختراق تستخدم المادة كل امكانياتها كى تمسك وتحيط بانعكاساتها وظلالها حتى تصل إلى حدٍ من حدود الاختيار الواعى بالإختراق ، وعلَّنى أرى أن هذا النوع من الإختراق لايقوى على استخدامه سوى الإنسان بما يملك من قدرة مذهلة على إعمال عقله بوسائل كثيرة متعددة ، تبدأ باستخدام الخاطرة والهاجس والمفكرة والذاكرة مروراً بالخيال والأفكار حتى يستطيع أن يملك نواصى الإختراق بالإيهام والإختراق بالإرادة ، وهى من أعلى مراتب الإختراق الذهنى .
1- الإختراق الذهنى بالإيهامً
هو نوع من الإختراق الذهنى يستطيع الإنسان - بكينونته المادية والروحية - أن يصل إليه ويستخدمه فى التأثير على ذهن الآخر ومن ثم ايهامه بصور ذهنية لشئ ما على مستوى الوجود وما يتبعه من توصيفٍ لهذا الشئ ، وهذا الشئ فى الحقيقة لاوجود له على المستوى الوصفى أو الفعلى ، أو أن الشئ موجود ويراه على غير حقيقته وصفياً وفعلياً .
وهذا النوع من الاختراق استخدمه منذ القدم السحرة والمشعوذون .
وربما فى تلك الحالة تتعطل بعض الوظائف أو يصيبها الخلل ومن ثم التشوش عند المُختَرَق نتيجة وصوله إلى حالة من الإيهام يفقد معها القدرة على أن يمسك بالحقائق ، فتفقد العين وظيفتها فلا يرى أشياءا تتحرك أمامه ، أو تقع العين فى دائرة الخلل الوظيفى لها فترى أشياءا لا وجود لها ، وكذلك يحدث فيما يخص بقية الحواس ، ومايتعلق بقدرة المُختَرَق على الإمساك بوسائل إعمال عقله ، فيقع فى دائرة التأثر بالإيهام الذهنى .
وأرى أننا جميعاً وفى هذا العصر العلمى الحديث ، وما يرافقه من تطورمذهل فى ثورة الإتصالات ، نقع وبقوة فائقة تحت تأثير الإختراق الذهنى بالإيهام ، وكأن هذا العصر هو الساحر الأكبر عبر التاريخ ، ولكنه ساحر عبقرى من نوعٍ خاص .
أمامنا الآن شاشة المونيتور وعلَّ أمامك صورة لشخصٍ ما ، لكن هل هذا الشخص موجود بالفعل ، أم أن هذا الوجود هو إنعكاس لوجوده الفعلى ؟ الإجابة هى انعكاس لوجوده الفعلى سواء أكان قد مات أو أنه مازال على قيد الحياه ، وكذلك بالنسبة لمطرب أنت تسمعه فى الإذاعة أو التلفزيون أو من خلال شريط كاسيت أو من خلال الكمبيوتر ، ماالصوت الذى تسمعه إلا مجرد انعكاس لصوته الفعلى ، وأظن أن هذا الإحساس بالإيهام الذهنى هو الذى يدفع بنا جميعا ًنحو الرغبة فى اللجوء إلى محاولة أن نرى المطرب أو نسمعه حتى نخرج من دائرة الإيهام تلك ، وعل هذا أيضا هو مايجعل كل جيلٍ يرتبط بمعاصريه .
ولكن يبقى سؤال ، هل هذا النوع من الانعكاس الوجودى ينفى الوجود ؟
أرى العكس تماماً ، بل أرى أن هذا الانعكاس يؤكد وجود الشئ وبكثافة أعلى منها فى الواقع ، ولكن الإنسان يبدو أنه دائما يميل إلى اختيار الأسهل فيما يستطيع أن يجعله يمسك بالأشياء .
والآن علَّنى أستطيع أن أقول تلك العبارة وأنا أضحك
كلنا تحت تأثير الوهم
لكنه وهم يعطينا القدرة على الاستمرار والفعل ، لذلك طيلة الوقت نؤكد لانفسنا أنه الحقيقة والبقاء فى رحلتهما اللانهائية .
ويبدو أن ليس أمامنا غير أن نفتعل بداخلنا إرادة لها القدرة على الإختراق - حتى توجد تلك الإرادة بالفعل - .
الإختراق بالإرادة
-----------------
هو الدرجة القصوى فى سلم الإختراق المادى ، وهو المساحة التى يطل الإنسان منها على انعكاسات المادة وظلالها مُمسكاً بكل مفرداتها ، وهنا إذا أراد الإنسان تحقق ما يريد سواء أكان فيه أو فى الآخرين .
هل هذا صحيح؟ إن كان غير صحيحٍ فلا حرج
أما إن كان حتى ولو على درجة ما من الصحة واليقين ، فقد يبدو وللوهلة الأولى أن هذه الإمكانية فيها من الألوهية مايقول بأنها ليست من إمكانيات الإنسان ، وأنها خارج حدود قدراته المادية والروحية مهما استخدم ما فى داخله من إمكانات بالقوة واستطاع تحويلها إلى إمكانات بالفعل .
لكن الإنسان يستطيع أن يكون عبداً ربانياً يقول للشئ كن فيكون ، كما أن الإنسان يستطيع أن ينفذ من أقطار السموات والأرض بسلطان .
وهذا يعنىأن الإنسان جاء مُحملاً بإمكانية أن يخترق بالإرادة ولكن بشروطٍ وسلطان .
ربما لا استطيع الخوض فى تلك الشروط أو السلطان ، خاصة وأنى اعتبر أنها من الأسرار العلية والتى تخص كل إنسان على حدة فى علاقته بمفردات الكون وخالقه ، ولكنى قد أحاول الإستطاعة قدر الإمكان أن أطوف ومن بعيد حول تلك الشروط والسلطان .
هذا النوع من الإختراق فى أقصاه أعطاه الله لبعض الأنبياء والرسل كسيدنا عيسى " اليسوع " عليه السلام ، كما أعطاها لبعضٍ من عباده ، وقد رآها الناس على انها من سبيل الكرامات ، واتسم بها البعض من المتصوفة .
هذا يعنى أن الإمكانية كانت ماثلة أمام الناس عبر التاريخ ورأوها وأكدتها الأديان فى كتبها المُقدسة .
ولكن إذا هبطنا قليلا عن تلك الدرجة لنرى كيف يستطيع الإنسان الإختراق بالإرادة ، ربما جاء الحديث عند البعض على أنه محض وهمٍ وخيال ، لكنى أدرجت هذا النوع من الإختراق ضمن الإختراق الذهنى لأنه موجودٌ بالفعل .
لكنه نوع من الإختراق يقوى عليه البعضُ ويملكون مفاتيحه ، وهُم مؤهلون لاستخدامه .
وأكتفى هنا بهذا القدر مما قدمت فيما يخص التعريف بالاختراق وأنواعه ، وفى الجزء الثانى سوف أتحدث عن كيفية استخدام الإختراق والأشكال المستخدمة من تجسسٍ وسطوٍ ذهنى ، حتى نصل إلى اختراق المنتديات ومن ثم العقول والتأثير عليها بما يبعدها عن القضايا الحقيقية والوقوع فى مآزق معرفية فيما يخص طبيعة الأزمة حتى لاتتم محاولة النظر إلى تلك الأزمات وتحليل أبعادها والوصول إلى نتائج تساعد على الإصلاح .
وسوف أتحدث عن المحاور الكثيرة التى يستغلها العُملاءُ والمُرتزقةُ والسائحون فوق أَسرَّة العمالة يتثائبون ويتجشقون الضحكات ، وَهُم يدسون السم من عقلٍ إلى عقلٍ ويلوثون الفضاء .
تحياتى للجميع
المفضلات