الدين النصيحة وبيان الأخطاء
الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين أما بعد :
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الدين النصيحة " ، قلنا لمن يا رسول الله ؟ قال لله ولرسوله ولكتابه ولأئمة المسلمين وعامتهم .
وقال جرير بن عبد الله رضي الله عنه: " بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على إقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والنصح لكل مسلم ".
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " حق المسلم على المسلم ست" وذكر منها: "وإذ ستنصحك فانصح له "
ومعنى النصيحة لله ولرسوله ولكتابه ولأئمة المسلمين وعامتهم :
قال الإمام ابن حجر رحمه الله:
النصيحة لله : وصفه بما هو له أهل، والخضوع له ظاهرا وباطناً، والرغبة في ما يحب من فعل طاعته، والرهبة من سخطه بترك معصيته، والجهاد في رد العاصين إليه.
والنصيحة لكتاب الله : تعلّمه، وتعليمه، وإقامة حروفه في التلاوة، وتحريرها في الكتابة، وتفهم معانيه، وحفظ حدوده، والعمل بما فيه، وذب تحريف المبطلين عنه.
والنصيحة لرسوله : تعظيمه، ونصره حياً وميتاً، وإحياء سنته بتعلمها وتعليمها، والإقتداء به في أقواله وأفعاله، ومحبته ومحبة أتباعه.
والنصيحة لأئمة المسلمين : إعانتهم على ما حمُلوا القيام به، وتنبيههم عند الغفلة، وسد خلتهم عند الهفوة، وجمع الكلمة عليهم، ورد القلوب النافرة إليهم، ومن أعظم نصيحتهم دفعهم عن الظلم بالتي هي أحسن. ومن جملة أئمة المسلمين أئمة الاجتهاد، وتقع النصيحة لهم ببث علومهم، ونشر مناقبهم، وتحسين الظن بهم.
والنصيحة لعامة المسلمين : الشفقة عليهم، والسعي فيما يعود نفعه عليهم، وتعليمهم ما ينفعهم، وكف وجوه الأذى عنهم، وأن يحب لهم ما يحب لنفسه، ويكره لهم ما يكره لنفسه.
من آداب النصيحة:
إذا كان للنصيحة في الدين هذا المكان السامي فإن النصيحة التي تنفع هي التي يلتزم الناصح فيها الآداب الشرعية التي ذكرها العلماء، ومن هذه الآداب:
1- أن يكون مخلصا لله تعالى في النصح بحيث لا يكون قصده الرياء ولا السمعة ولا لتحقيق غرض دنيوي ولا لإظهار تميز الناصح.
2- أن يكون عالما بما ينصح، لأن النصيحة نوع من أنواع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فإن لم يكن على علم بما ينصح به فقد ينهى عن معروف وهو يظن أنه ينهى عن منكر، وقد يأمر بمنكر وهو يظن أنه يأمر بمعروف.
3- الإسرار بالنصيحة وعدم التشهير والحرص على الستر، فالنصيحة أمام الناس توبيخ وتقريع لا يقبله الناس، قال مسعر بن كدام رحمه الله: رحم الله من أهدى إليّ عيوبي في سر بيني وبينه، فإن النصيحة في الملأ تقريع.
وقال الشافعي رحمه الله:
تعهدني بنصحك في انفرادي . . . . . وجنبني النصيحة في الجماعة
فإن النصح بين الناس نوع . . . . . من التوبيخ لا أرض استماعه
فإن خالفتني وعصيت قولي . . . . . فلا تغضب إذا لم تُعط طاعة
4- الرفق في النصح والبعد عن العنف واللوم كما في الحديث: " ما كان الرفق في شيء إلا زانه ".
أما المنصوح فالواجب عليه الإصغاء إلى النصيحة والعمل بخيرها، والتخلص من حظوظ النفس، فقد كان السلف يعتبرون النصيحة نوعا من الهدية يقدمها الناصح لهم ، وكما روي عن عمر رضي الله عنه أنه قال : رحم الله من أهدى إليّ عيوبي. ولا يحمل المنصوح شدة الناصح على عدم الانتفاع بالنصيحة .
والنصيحة في لغة العرب لها معنيان :
الأول : التخليص من الشوائب تقول العرب نصحت العسل إذا خلصته من الشوائب .
الثاني : الستر تقول العرب للإبرة التي يخاط بها الثوب المنصحة لأنها تجمع طرفي الثوب ليستر بها البدن .
وفي الاصطلاح : هو حيازة الحظ للمنصوح له بتخليصه من ذنبه وستره .
فقد يخلّص المسلم أخاه من المعصية ولكن لا يستره ، وقد يستره ولا يفضحه ، ولكن يتركه ولا يخلصه ، وكل منهما أدى جزءا من النصيحة .
والناصح حقا كما أراد الله ورسوله هو الذي يبذل الجهد بتخليص العاصي من ذنبه ويستره .
وهناك موضوع شائك في باب النصيحة قد يجهله بعض طلبة العلم وهو نصح من أخطأ في الدين ، فمثل هذه الحالة لابد أن يطهر دين الله من الخطأ ، حتى لا ينسب ذلك الخطأ لله ورسوله .
ولا يخلو الخطأ من إحدى الحالات التالية :
1- أن يكون الخطأ من عالم فاضل له جهوده في العلم والتعليم والدعوة وكان خطؤه مما خفي عليه من الحق ، ولم ينقل عنه أخطاء مماثلة ، فهذا ينصح برفق ويبين ما قد يخفى عليه من صحة الدليل ، ويطلب منه الرجوع بمثل ما انتشر عنه الخطأ فإن كان خطؤه كان في درس اعتذر بدرسه ، وإن كان في محاضرة اعتذر في محاضرة وإن كان في وسيلة إعلام اعتذر بمثلها وهكذا دواليك . وقد وقع مثل ذلك من الشيخ محمد بن صالح العثيمين كما ذكره هو بنفسه في كتابه القواعد المثلى في الصفات وأن سبب تأليفه للكتاب خطأ وقع فيه ثم انتشر وكان رحمه الله يشير إلى ذلك كثيرا ، ولم يزده ذلك إلا رفعة .
فإن امتنع عن البيان لزم بيان خطئه بنفس الحجم الذي انتشر فيه خطؤه ، دون تشنيع بل يثنى عليه ويذكر فضله وجهده ولكن يقال الحق أحق أن يتبع ، لأن المقصد والمراد هو تنقية دين الله من الخطأ .
2 – وإن كان من عالم فاضل كثرت أخطاؤه مما خفي عليه من الحق ، فبعامل مثل الأول تماما إن اعتذر عن خطئه ، وإن امتنع عن الرجوع إلى الحق يرد عليه قوله ، دون ثناء عليه بسبب كثرة أخطائه .
3 – وإن كان من عالم أخطأ في مسألة لا يعذر فيها كمسائل البدع ، أو في مسألة الحق ظاهر فيها كمن يفتي بجواز تهنئة الكفار وحضور أعيادهم ، أو يتنقص الصحابة ، أو نحو ذلك ، فيطلب منه الاعتذار والرجوع للحق ، فإن رجع وإلاّ رد عليه قوله ، والتنبيه على شناعة قوله ، فإن كثر منه ذلك يحذر الناس منه ، لأن التحذير منه وهو في هذه الحالة واجب ، ولا حرمة له ، لأن دين الإسلام لابد أن يصفى من البدع ، ومما ليس منه .
وهذا ما يسبب إشكالا لدى بعض المسلمين عندما يرى قوة الرد على داعية مشهور بين الناس ، وما ذلك إلا للأمور التي ذكرتها . ولهذا شنع على علماء من أهل السنة بسبب ما ذكرت أثناء بعض الردود .
ورغبة في الاختصار اكتفيت بهذا القدر ، وكما قيل اللبيب بالإشارة يفهم .
جعلنا الله وإياكم ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
المفضلات