بلغ المعلم "حُكشه" من العمر عتيا....قرر التقاعد وتسريح صبيانه....لم يعد قادراً على ممارسة مهنتة الشاقة المُربحة....مهنة جمع القمامة....لكنه أيضا كان غير قادر على مفارقة "عربجيته" فهو "عربجي" أبا عن جد....لذلك قرر استثمار "عربخانته" فى مهنة قريبة من الحمير بعيدة عن القمامة....قرر تحويلها إلى مضيفة لحمير المنطقة...."جراج" حمير أو فندق حميريّ صغير من فئة "البرادع" الثلاث....
............
كانت العربخانة تكفى بالكاد عربته وحماريه : الكبير الأساسى والصغير الإحتياطى....لم يكن الأخير يعمل بمعنى الكلمة....كان بمثابة حمار "استبن" مربوط باستمرار إلى جوار الكبير ليتدرب على السير بين "البني آدمين" وعلى كيفية التعامل معهم....فالتكرار يعلّم الشطّار....لكنه حمار والسلام....عموما لقد استراح المعلم منهما معاً بعدما باعهما....ولو أن فراقهما عز عليه....فالعشرة لا تهون إلا على "إبن الحـ........" ....
ولما كانت الليلة الأولى من ليالي الحمارخانة بدأت الحمير التى "شرّفتها" في ليلة افتتاحها كأول زبائن في التعارف....كانوا خمسة....كل واحد منهم يعمل علي عربة "كارو" مختلفة عن الأخرى....الأول يجر عربةً لبيع الفول المدمس والثانى عربة لبيع الخبز....الثالث عربة لبيع الفاكهة....والرابع عربة لجمع القمامة أما الخامس وهو أسوأهم حظا فان يجر عربة لجمع مياه الصرف الصحي "كسح مجارى" بعد أن باعه صاحبه السابق الذي كان يتجول بين المقاهي والتجمعات ينشد علي ربابته بعض أزجال يتكسب بها قوت يومه هو وحماره الذي كان يصغي بانتباه لكل ما يقوله ذلك الزجال ....
............
بعد التعارف وقبل النوم اقترح حمار عربة الفول المدمس أن يلقى إحدى النكات....انفرجت أسارير بقية الحمير واستعدوا لسماعها فقال :
ـ كان فيه خمسة "بنى آدمين" كل واحدٍ منهم يعرف نكتة واحدة فقط....يجتمعون كـل ليلة ليتسامروا ويتبادلوا نكاتهم فيسمعون النكتة ذاتها من الشخص ذاته....ولما ملوا سماع النكات بهذه الطريقة الرتيبة اقترح أحدهم أن يعطى صاحب كل نكتة رقما لنكتته....يقوله فيعرف الجميع النكتة فيضحكوا بدلاً من تكرارها كل ليلة ....
ـ وبعدين....استحثه حمار عربة الخبز على الانتهاء من نكتته لينام لأنه يستيقظ مبكرا :
ـ وبعدين كل ليلة يجتمعوا ويقولوا نكتهم كلها : واحد....خمسة....أربعة....اتنين....تلاته....يضحك الجميع....فجأة قال أحدهم : تسعة ....
ـ تسعة إزاي وهمه خمسة....تساءل حمار عربة الفاكهة ؟!
ـ إللى حصل....أكمل الحمار ملقي النكتة....كل المجموعة لم تضحك إلا أحدهم أخذ يقهقه و"يرفص" برجليه ولما سُئل عن سبب ضحكه قال : أصلي أول مرة أسمعها ....
ـ بايخة....قال حمار عربة الصرف الصحي
ـ بس ممكن تفيدنا....أردف حمار عربة القمامة....إحنا كمان نِدّى أنفسنا نمر عشان نخفف عن كاتب القصة ....
ـ يعنى أنا نمرة (1)....قال حمار عربة فول مدمس وبعدين بالترتيب إللى في الفقرة التالتة من القصة....نمرة (2) لحمار عربة الخبز ونمرة (3) لحمار عربة الفاكهة ونمرة (4) لحمار عربة القمامة ونمرة (5) لحمار عربة الصرف الصحى....رضي كل حمار برقمه وهنا اندفع حمار عربة "المجارى" منشداً :
كان ياما كان كان ياما كان
كان ياما كان كان ياما كان
العلما اجتمعوا واختلفوا
واحتاروا ف اصل الإنسان
قالوا ملاك قالوا شيطان
أو مخلوق بائس غلبان
وأخيرا اتفقوا ورضيوا
بالنسناس أصل الإنسان
راحوا للقرد يشوفوا حكايته
وازاي بقي أصل الإنسان
بصوا لقوه ماشى بيتنطط
وبيفسد في كل مكان
وبيسرق....ينهب ويدمر
وينافق علي كل لسان
عايش دايما ع الخلافات
ولا يعرفش يعيش في أمان
مجرم ندل خسيس وجبان
ولا يقدرشي عليه الجان
رجعوا العلما يراجعوا بحوثهم
بعد ما عرفوا بالبرهان
إن القرد إتغير طبعه
ولا عادشى مخلوق غلبان
فجأة اكتشفوا بعد ما بحثوا
النسناس أصله : إنسان
وغضبي
وهنا قال حمار رقم (1) ينصر دينك إنت شاعر ولا إيه؟ من دلوقتي اسمك "زجلول" ....
ـ أنا حافظ كل الزجل إللى كان بيقوله صاحبي الأول ومـا دام اسمي بقى "زجلول" فلازم كل واحد فيكو يبقى له اسم وبلاش حكاية النمر دى........إحنا ها نعمل زي البني آدمين ولا إيه ؟!
وهنا اندفعت الحمير نحو "زجلول" مهنئة بموهبته فمط شفتيه إلى الأمام شاكرا ثم قال :
ـ انت اسمك "قدرة" (موجها كلامه إلى حمار عربة الفول المدمس) وانت (ناظرا إلى حمار عربة بيع الخبز) لأنك طول النهار فى وسط العيش هايبقي اسمك "خميره" ، أما حمار عربية الفاكهة فاسمه علي وزن اسمي : "زغلول" أما انت يا حمار عربية الزبالة فأحسن اسم لك هوا "زبلول"....وافق كل حمار علي الاسم الذي اختاره له "زجلول" ونام الجميع استعداداً ليوم عمل شاق....
(والي لقاء في ليلة تالية)
![]()
![]()
![]()
المفضلات